رمضان فرصة الانتصار على الذات
د. محمد بشارات – رمضان – 2018م.
في كل عام نتشرف بزيارة شهر الخير ونحن على شوق به وحتى نزداد من الجرعات الإيمانية الراقية ،لاسيما وأن هذا الشهر العظيم فيه من الخير والبركة والفرصة للإنسان حتى يستجمع قواه مرة أخرى لمواجهة نوائب الدهر كافة .
النفس الأمارة بالسوء تأمر صاحبها بما تهواه من الباطل والشهوات، وسُميت أمارة وليست آمرة؛ لكثرة ذلك منها، ولا سبيل إلى الخلاص من غوايتها وغلبتها وجموحها وسيطرتها إلا بتزكيتها ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(7) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا(8) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا(9)﴾ (الشمس).
ولا شك أن شهر رمضان المبارك هو فرصة حقيقية اتجاه تغيير النفس والانتصار على الذات ، ففيه الفرصة الحقيقية لكبح جماح النفس البشرية المختلفة والسلبية منها ، وهي فرصة للانتصار على الذات السلبية وتعزيز كافة القيم الإيجابية في النفس البشرية ، وإليك عزيزي القارئ مجموعة من الخطوات التي تساعدك للانتصار على الذات السلبية في هذا الشهر المعظم :
1- في بداية الشهر ضع لنفسك هدفا واضحا ومحددا ،ومن أمثلة تلك الأهداف المحافظة على صلاة الجماعة ، والحفاظ على ورد معيّن من الصلاة الراتبة والنافلة هدف عظيم يمكن أن نحيا من أجله في هذا الشهر . كذلك من الأهداف التي يمكن أن نجربها في رمضان ألا نغتاب أحداً مهما كان الداعي إلى ذلك ، ويمكن كذلك خوض التجربة الحقيقية مع النفس في هذا الشهر أن نلتقط كل فضيلة ، ونحرص على جمع أبواب البر الممكنة في رمضان بدءاً من إجابة المؤذّن ، وانتهاء بإماطة الأذى عن الطريق .
2- حارب النفس الأمارة بالسوء بالأفعال الإيجابية الفعالة والآمرة بالخير، ومن أمثلة ذلك مرن نفسك على مساعدة الآخرين وتقديم العون لذوي الحاجة وقدم صدقة يومية ولو بسيطة فهي تساعدك على كبح جماح النفس المحبة للتملك وهنا درب نفسك على تقديم العطاء للآخرين وحرر نفسك من حب التملك السلبي.
3- زد من رصيد نجاحاتك الإيمانية والإنسانية في هذا الشهر، إن النجاح يدعو لنجاح آخر ، والتجربة الإيجابية تزرع طريقاً من التفاؤل للتجارب القادمة عبر الزمن في حياة الواحد منا . شريطة أن نبدأ بإرادة صلبة ، وعزيمة قوية ، ونبدأ ونحن مفعمون بالتفاؤل . فلئن يعيش الواحد منا وهو يناضل في بناء ذاته خير له من أن يرحل وهو مأسور تحت وطأة شهوة عاجلة ، أو عادة ذميمة . إن رمضان فرصة أن نرمم ذواتنا ، ونشذّب الأخلاق التافهة في حياتنا ، ونخرج قليلاً من التمحور حول الذات إلى بناء علاقات إيجابية مع الآخرين .
4-مزّق أخلاقك السيئة الآن وانطلق نحو أخلاق جديدة وجيدة ، في رمضان فرصة حقيقة نحو التخلص من الأخلاق السيئة، فابدأ عزيزي القارئ الآن بكتابة كافة أخلاقك السلبية وضع أمامك قرارا صادقا أن تتخلص منها يوميا وتستبدل كل خلق سيء بخلق آخر إيجابي ، وبهذا تزيد من فرصة الانتصار على ذاتك السلبية وترصد لك أخلاقا إيجابية تحسن من نفسك وتقوي شخصيتك وتزيد قيمتك في الدنيا و الآخرة ، فالنفس الراقية والطيبة والإيجابية هي مطلب العقلاء وقيمة حقيقية للنفس البشرية .
5- واخيراً استعن على نفسك بكثرة الدعاء ، ففي شهر رمضان فرصة حصرية لقبول الدعاء الصادق ،فليكن دعاؤك عزيزي القارئ باتجاه تحسين النفس والانتصار على شهواتها السلبية وأكثر من الدعاء فالله تعالى يحب الإنسان المسلم الذي يُلّح بالدعاء ، فلا ييأس المسلم من الإجابة، وفي ذلك انقياد لله واستسلام له، وإظهار لافتقار العبد إليه، فالإلحاح في الدعاء فيه رضى الله ومحبته، قال صلى الله عليه وسلم: (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ: يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي)،ومن ثمرات الإلحاح في الدعاء إذا جاء الداعي بشروط الدعاء واستمر عليه فإنّ ثمرة هذا الدعاء ستكون مضمونة بإذن الله، فسيحصل على الخير وينال منه ما يريد، فإذن دُعاء المُسلم لا يُهمل بل يعطى إليه عاجلًا أو آجلًا، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ، ولا قطيعةُ رَحِمٍ ؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاثَ : إما أن يُعجِّلَ له دعوتَه ، وإما أن يدَّخِرَها له في الآخرةِ ، وإما أن يَصرِف عنه من السُّوءِ مثلَها. قالوا: إذًا نُكثِرُ. قال : اللهُ أكثرُ)، فما بالنا حينما يكون الدعاء مركزا بهذا الشهر الفضيل وباتجاه الانتصار على النفس وتحسين الذات والرقي بها .
إن رمضان سيرحل كما رحل كل عام ، وليس ثمة شك في عودته ، وإنما الشك في بقائنا للقياه ، فكما أننا لا نملك الرؤية الواضحة في عودته مرة أخرى علينا يمكن أن نغتنمه قبل أن يرحل ، ونكتب من خلال لقائه هذا العام صورة من صور الانتصار على النفس وتحقيق الرقي والقيم الإيجابية ، وقد وعد الله تعالى من يجاهد فيه بالهداية إلى طرق الخير والنجاح والتميز، قال تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا ) ،وهنا فرصتنا الحقيقية للانتصار على النفس قبل فوات الآوان .
محبتي : د. محمد مصطفى بشارات .